الكتابة الصينية من أعلى إلى أسفل، بينما الكتابة العربية من اليمين للشمال؛ لذلك استطاع الصينيون بقوى الجاذبية الأرضية وال***ية أيضا أن يصلوا إلى موضع العفة، بينما يدور العرب حول أنفسهم ولم يصل أي منهم حتى الآن إلى معنى الشرف المعلق على غشاء أصبح متاحا مقابل ثمن منظف للملابس، وهي مفارقة لا تبدو متعلقة بالتخلف الثقافي والاجتماعي للرجل العربي بقدر ما تجلو التراب عن حقيقة الأزمة الثقافية والحضارية التي يعيشها الشرقيون في هذا العالم.

فالرجل الشرقي فقد ببساطة قدرته على الاختبار والفرز بين فتاة حفظها الآباء من أجله في "سوليفان"، وامرأة عاشت تجربة حسية، ولا فرق هنا بين استعدادها لتكرارها وبين توبتها.. وبقدر ما من الموضوعية فإن جريمة الرجل الذي فقد شفافية روحه وقدرته على التصديق تدفعنا للتساؤل عن منطقية اقتراح عبثي قدمه أحد الناشطين في مجال محاولة الظهور على الفضائيات؛ وهو إلزام كل فتاة مقبلة على الزواج بكشف طبي لإثبات العفة وهي العفة التي يستحيل إثباتها الآن في ظل انعدام "النظر والتمييز" عند الرجال ومفهوم الشرف الفضفاض.

معايير جديدة

وبكثير من سوء الظن فإن الرجل الشرقي الضعيف نفسيا مغرم بالابتزاز النفسي وممارسة القهر –الذي تمارسه عليه السلطة بكل أطيافها– لذلك يعنيه أن يكون هناك شاهد –ليس شخصيا في هذه الحالة- على إعادة العذرية للمرأة التي فقدتها قبل الزواج، لذلك فإن أغلب الظن أن الأغشية الجديدة وإمكانية استخدام المرأة لها دون مساعدة طبيب هي الأزمة وليست إعادة العذرية.

والذي لا يعلمه الكثيرون أن بعض الأثرياء الذين انتهت مشاكلهم المادية وازدادوا ثراء على حساب جوع الشعوب يحتاجون لاستعادة العذرية بالاتفاق بين الزوجين لاستعادة "ليلة الدخلة"، ليصبح الأمر أكثر من مضحك إذا كانت الزوجة قد فعلتها قبل "ليلة الدخلة" دون علم الزوج النزق.

ويحتاج الأمر في هذا المقام إلى إعادة النظر في معايير التقييم الحقيقية لدى مجتمع لا يكتفي بالتجسس على ساق المرأة في الشارع ليقوم بتقييمها تشريحيا، ويدرك مدى صلاحيتها في الفراش إلى انتخاب أطباء للتجسس على موضع العفة، وهو ما يجعل الشخص يقف حائرا بين إدانة لا معنى لها لاستيراد أغشية البكارة، وبين رجال أو أشباه رجال يريدون أن يتم خداعهم و"مبسوطين" جدا بادعاء الشرف، بينما لا يريدون الارتقاء إلى مستوى الكشف عن البكارة بمجرد النظر والإحساس.

ويبدو أن ندرة البكارة لدى الرجال هي الدافع الأهم لمنطق الشك كقاعدة، فضلا عن أن الأمر في بعض أحواله يتجاوز الشخصي والأخلاقي إلى الاجتماعي، وهو ما يتطلب -ببساطة ودون أن يتصور أحد المرتعشين أن هناك اعتداء على المقدسات- مراجعة النظام الأخلاقي العربي لتطهيره من القبلية والادعاء والزيف وكل مظاهر القهر اللاإنساني باسم الأخلاق.

وللتوضيح فإن قدرا ما من الحرج يحيط بالكتابة في موضوع كهذا ليس لكونه ذا صلة بالجسد باعتباره محرما كموضوع للتناول في الكتابة العربية العلنية، ولكن لأن الموضوع نفسه ينتمي بالضرورة إلى تلك الفقاعات التي يقصد بها شغل الشعوب عن قضاياها الحقيقية مثل فتوى إرضاع الكبير، والتبرك ببول الرسول، وغيرها، وهو ما يستدعي هنا القضية الأكثر إثارة للجدل في أوروبا العصور الوسطي، وتلخصت في سؤال وهو: كم ملاكا يستطيع أن يقف على رأس الدبوس:???????

فالمعروف أن عمليات الترقيع والإجهاض تتم بشكل شبه علني، كما أن تعاطي المخدرات يتم بنفس العلنية وفي أوساط وشرائح طبقية مختلفة، وبرغم الحظر القانوني والعقوبات فإن الأمر يتم ليس بسبب الفساد أو التدليس فقط؛ ولكن لأن طبيعة الأمور تحتمل وجود الشر إلى جانب الخير.

تبقى القيمة الوحيدة للضجة الإعلامية المثارة حول الأغشية الصينية، هي البحث عن الأسباب الحقيقية للانحطاط الحسي لدى الرجال، وعدم قدرتهم على التمييز بين الغث والسمين، فضلا عن انهيار البنية الأخلاقية لفتاة تفرط في بكارتها بسهولة ترك البقشيش لنادل الكافيه.

وهذا البحث ليس سهلا بقدر إلقاء اللوم على التربية المنزلية أو على تكنولوجيا الاتصالات أو الهوت بيرد في جلسة يلفها هواء التكييف البارد ويحضرها كبار المنظرين، فالأمر بحاجة إلى الرجوع للتراث الديني بدءا من التفسيرات المختلفة للقرآن الكريم، وحتى السيرة النبوية والأحاديث، بعقول واعية.

وعلى المستوى نفسه مراجعة السياسات الاقتصادية والتخطيط المعماري وسياسات التعليم وبنية السلطة السياسية، ومراجعة مفهوم الحرية الفردية في علاقتها بالمجتمع، وهو في ظني مشروع ضخم بقدر أهميته باعتباره حلا وحيدا لأزمة الإنسان العربي والشرقي والمسلم.



إرسال تعليق

 
Top